قضية فلسطين- سلام العاجز والقادر..فرصة في رؤية جديدة؟

المؤلف: سلطان السعد القحطاني10.27.2025
قضية فلسطين- سلام العاجز والقادر..فرصة في رؤية جديدة؟

تبدو القضية الفلسطينية، في مختلف تجلياتها، معقدة للغاية، سواء تصاعدت حدة الأحداث أو خفتت. إنها أشبه بمعضلة الثقب الأسود، حيث تبدو الحلول غائبة تمامًا في ضوء قواعد العلوم السياسية، أو على الأقل في ظل المعطيات الراهنة التي تهيمن على المشهد في الشرق الأوسط. إنها إشكالية متشابكة بين طرف يمتلك القدرة على تحقيق السلام، ولكنه لا يبدي رغبة في ذلك، وطرف آخر يتوق إلى السلام، ولكنه يعجز عن تحقيقه. وبين هذين الطرفين المتناقضين، تراق أنهار من الدماء في المنطقة، وتتصارع الأطماع الخفية والمصالح السياسية المتضاربة.

في إطار العلوم السياسية، تنبثق فكرة التسوية بين الأطراف المتنازعة من إرادة مشتركة لتسوية أزمة سياسية، أو درء فتيل صراع عسكري وشيك، أو منع تفاقمه. ومما ييسر الأمر على الطرفين المتنازعين هو سريان مفعول نظرية توازن القوى، التي حكمت العالم على مدى قرون طويلة، وصانت السلام العالمي، وأتاحت للدول فرصة الازدهار والتقدم لفترات مديدة. وفي ظل هذه النظرية، يشعر الطرفان بضرورة التوصل إلى التسوية المنشودة، لأن الاستمرار في الصراع سيكون مرهقًا للغاية بسبب هذا التوازن، وفي غياب هذه التسوية، سيصبح الاستنزاف سمة غالبة على المشهد برمته.

هذا هو الوضع المألوف عند الحديث عن طرفين متكافئين في القوة. وبطبيعة الحال، تختلف المعادلة عندما يكون الفارق في القوة بين الطرفين شاسعًا وواضحًا للعيان. ومع ذلك، وعلى الرغم من غياب توازن القوى في العديد من الحالات، فإن حصول الطرف الأضعف على صفقة عادلة ليس مستحيلًا، ولكنه يتطلب مزيجًا من الضغط الدولي، والصمود الداخلي، والموازنة بين مصالح الطرفين، والتزام الطرف الأضعف بمطالب واقعية يمكن البناء عليها في المستقبل، بما يخدم مصالحه على المدى البعيد، حين تتغير الظروف وتتبدل المعطيات.

وهكذا، فإن القضية الفلسطينية تندرج ضمن دائرة الصراع بين "الأقوى والأضعف". فهناك طرف مدعوم من قوى عظمى، ويمتلك نفوذًا واسعًا في مجالات السياسة والمال والإعلام، مما يمكنه من صياغة وترويج روايته المنتقاة للقضية، مدعومًا بتأييد سياسيين وقوى عالمية نافذة. وعلى الجانب الآخر، هناك طرف لا يملك سوى تعاطف الرأي العام العالمي، هذا إن بقي منه شيء بعد أحداث السابع من أكتوبر. إنها حرب غير متكافئة تدور رحاها في الشرق الأوسط، وكل الحلول المطروحة لتسويتها تتسم بالصعوبة البالغة، أو الاستحالة.

هذا هو التحدي الجوهري الذي يواجه الأزمة في الشرق الأوسط، فكيف يمكن صياغة اتفاق سلام بين طرفين تفصل بينهما كل هذه الفوارق الشاسعة؟

إن قراءة تاريخ النضال العالمي ضد الاحتلال تشير دائمًا إلى وجود حلفاء لديهم الاستعداد لدعم الطرف المناضل من أجل أرضه، أو ممارسة الضغوط على العدو وحلفائه، وتأخير تقدمهم، أو احتواء نفوذهم. لقد كان الدعم الدولي عنصرًا حاسمًا في نجاح حركات التحرر، حيث وفر لها الموارد والتأييد السياسي والدبلوماسي اللازم لتمكينها من مواجهة القوى الاستعمارية وتحقيق استقلالها المنشود.

فعلى سبيل المثال، حظيت الثورة الجزائرية بدعم من دول مثل الاتحاد السوفيتي والصين على الصعيد الدولي، مما أسهم في تعزيز الدعم الدولي للقضية الجزائرية. وقدم الاتحاد السوفيتي والصين الدعم العسكري والمادي لحركة التحرير الفيتنامية، وذلك خلال الحرب الفيتنامية. كما حظيت الهند بدعم معنوي وسياسي من عدة دول ومؤسسات دولية، خاصةً مع نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت فكرة إنهاء الاستعمار منتشرة على نطاق واسع في العالم، وحظيت بدعم الدول المحايدة في الأمم المتحدة. ودعمت الولايات المتحدة استقلال إندونيسيا للحد من عودة الاستعمار الأوروبي وتعزيز نفوذها في آسيا، في المقابل، لا تحظى القضية الفلسطينية بمساندة من القوى الكبرى، وحلفاؤها يتضاءلون يومًا بعد يوم، إما بسبب التكلفة السياسية الباهظة، أو بسبب الفراغ الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية والانقسام المروع الذي يمزقها.

الانقسام الفلسطيني، الذي كانت حركة حماس سببه الرئيسي، أفقد الفلسطينيين القدرة على التأثير في مجريات الأحداث في العالم العربي، وحشد التحالفات لقضيتهم العادلة. فحتى لو أراد العرب دعم الفلسطينيين، فلا يوجد حاليًا من يمكن دعمه. فبعد غياب ياسر عرفات عن المشهد، وشخصيته الكاريزماتيكية، ودوره المحوري في تاريخ النضال الفلسطيني، لم يعد هناك من يستطيع ملء ذلك الفراغ الهائل.

فما هو الحل إذًا؟ تحتاج السلطة الفلسطينية إلى إعادة بناء نفسها وفقًا لمقتضيات العصر الحديث، وإفساح المجال لجيل جديد كي يتولى زمام المسؤولية، وإقناع العالم العربي والمجتمع الدولي بوجود فكر جديد يمكن الحوار معه، وبذلك يمكن للعالم العربي أن يستشعر جدية التغيير والرغبة في التحرك بمسؤولية.

كما يتعين على القيادة الفلسطينية أن تستشعر حجمها الحقيقي في عالم اليوم، وأن تدرك ظروف المنطقة المحيطة، وهذا ما سيمكنها من التحرك بواقعية، ووضع سقف للمطالبات يمكن تحقيقه، أو التفاوض بشأنه بشكل بناء. فالعالم العربي الذي مزقته نيران ما يسمى "الربيع العربي" لم يعد قادرًا على تقديم الكثير للفلسطينيين، وإذا لم يستغل الفلسطينيون النفوذ القوي للقيادة السعودية على الساحة الدولية، فلن يحصلوا على شيء آخر.

إن رجل الشرق الأوسط القوي، الأمير محمد بن سلمان، قادر على تحقيق السلام للفلسطينيين، وهو ما لم يتمكنوا من تحقيقه بالحروب على مدار أكثر من نصف قرن، شريطة أن يفهموا المشهد الدولي المعقد، والتوازنات الدقيقة التي تحكمه، بدلًا من تضييع فرصة تاريخية جديدة، ككل الفرص السابقة التي تبددت في غياهب الماضي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة